التقاضي المناخي: الأعضاء يعلّقون على الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضيتيّ كليما سينيورينن ودوارتي أغوستينو

تاريخ النشر: 
الخميس, 20 حزيران, 2024
الصورة/ كليما سينيورينن  في مظاهرة احتجاجية- 28 آب/أغسطس
 

شهد العام الحالي صدور حكمين عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في اثنتين من أهم قضايا المناخ، أدلت فيهما الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بدلوها. فقد أصدرت المحكمة بتاريخ التاسع من نيسان/أبريل 2024، حكمين طال انتظارهما في قضيتيّ كليما سينيورينن ودوارتي أغوستينو اللتين تناولتا التزامات الدول بشأن تغيّر المناخ بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

رأت المحكمة أن الادعاءات في قضية دوارتي أغوستينو غير مقبولة؛ بيد أنّ الحكم الصادر في قضية كليما سينيورينن مثّل تطورًا مهمًا. إذ قضت المحكمة للمرة الأولى بأن فشل دولة ما في تنفيذ إجراءات تُخفف من حدة تغيّر المناخ ينتهك الحق في الحياة الخاصة والأسرية، والحق في محاكمة عادلة. استندت المحكمة في قرارها إلى النتيجة التي خلصت إليها بأن سويسرا فشلت في اعتماد إطار تنظيمي محلي لتحديد كمية انبعاثات غازات الدفيئة الوطنية، ولم تحقق أهدافها بخفض الانبعاثات. ووجدت أيضًا أن المحاكم السويسرية لم تنظر في الطعون  القانونية بشأن تقاعس الدولة.

تفاصيل القضيتين

في قضية كليما سينيورينن  ، قدّمت مجموعة من السيدات المسّنات المقيمات في سويسرا ممثلات بغرينبيس التماسًا لدى المحكمة للحصول على تعويضات عن الانتهاكات الناجمة عن تغيّر المناخ والمرتبطة بحقوقهن في الحياة وفي بيئة صحية، وجملة حقوق أخرى، مسها الضرر بسبب إسهامات سويسرا في تغيّر  المناخ. تُشير الملتمسات إلى موجات الحر المؤذية وغيرها من الأضرار الكبيرة التي يُسببها تغيّر المناخ.

يُمكن  الاطلاع على تفاصيل إضافية عن القضية على هذا الرابط

في قضية دوارتي أغوستينو، قدّم شبّان مقيمون في البرتغال ممثلين بالشبكة العالمية للعمل القانوني التماسًا للحصول على تعويضات عن الانتهاكات الناجمة عن تغيّر المناخ والمرتبطة بحقوقهم في الحياة وفي بيئة صحية، وجملة حقوق أخرى، التي ألحقت بها الضرر 33 دولة تخضع لولاية المحكمة الأوروبية القضائية.  يُشير الشبّان في التماسهم إلى الأحداث المناخية الكارثية التي وقعت في الآونة الأخيرة وتشمل الحرائق  الهائلة في البرتغال، ويربطون هذه الأضرار بإسهامات الدول المدعّى عليها لسنوات طوال في تغيّر المناخ.

يُمكن  الاطلاع على تفاصيل إضافية عن القضية على هذا الرابط

الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تدلي بدلوها في القضيتين

في عام 2022، قدّمت مجموعات من أعضاء الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مذكرات طرف ثالث في اثنتين من قضايا حقوق الإنسان الرائدة المتعلقة بتغيّر المناخ المعروضتين أمام الدائرة الكبرى للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

زوّدت  التدخلات في قضيتيّ كليما سينيورينن ودوارتي أغوستينو المحكمة بمعايير حقوق الإنسان الأساسية الدولية والمقارِنة والسوابق القضائية، بشأن القضايا التي تتناول آثار أزمة المناخ في التمتع ببيئة صحية وما يتصل بها من حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية، فضلًا عن الحق في الحياة؛ والآثار غير المتناسبة لأزمة تغيّر المناخ على الحقوق الإنسانية لفئات معينة من السكان، شملت في قضية كليما سينيورينن  حقوق النساء المسّنات، وما يقابلها من واجبات تقع على عاتق الدولة لضمان المساواة الحقيقية، فضلًا عن منع التمييز متعدد الجوانب ومعالجته؛ وواجب الدولة في منع الضرر المرتبط بتغّير المناخ الذي يمس حقوق الإنسان فضلًا عن سائر الأضرار المتوقعة، وذلك باستخدام الحد الأقصى من الموارد المتاحة والتنظيم الفعّال للأعمال التجارية.

النتائج وتعليقات الأعضاء على الأحكام

أعلنت المحكمة الأوروبية، في التاسع من نيسان/أبريل عدم مقبولية دعوى دوارتي أغوستينو،  وحكمت بأنها تتجاوز الحدود الإقليمية بطريقة لا توسع نطاق الولاية القضائية ليشمل دول أخرى غير البرتغال، حيث يقيم المدعون. أما في ما يتعلق بالبرتغال، أعلنت المحكمة عدم مقبولية الالتماس بسبب عدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية. وقد أثار قرار المحكمة برفض دعوى دوارتي أغوستينو مخاوف بشأن تطبيقها لمعايير الولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية بطريقة تتنافى مع تفسير الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ومحاكم البلدان الأمريكية والأفريقية لحقوق الإنسان القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتمثل تراجعًا عنها. إنّ هذا القرار يقوّض نطاق الاتفاقية الأوروبية، ويُحيي هاجس إفلات الدول الأوروبية من العقاب عن الأضرار المناخية التي ترتكبها، لا سيما تلك التي تؤثر على بلدان الشمال العالمي.

أشار أعضاء الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مذكرة الطرف الثالث إلى أنه "...عملًا بأطر القانون الدستوري الدولي والإقليمي والمقارن، يتعين على الدول اعتماد تدابير تشريعية وإدارية كافية وفعّالة وتنفيذها لخفض الانبعاثات داخل أراضيها وخارج حدودها الإقليمية،. وينبغي أن تستند هذه التدابير إلى أفضل العلوم المتاحة وتنسجم مع اتفاق باريس، بما يتوافق مع معايير حقوق الإنسان مع إعطاء الأولوية لحماية المجتمعات الضعيفة، بما فيها الأجيال المقبلة".  

وفي اليوم عينه، أتاحت قضية كليما سينيورينن للمحكمة فرصة ثانية للنظر في نطاق الالتزامات الحالية للدول بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في سياق تغيّر المناخ. وخلصت المحكمة إلى أن فشل سويسرا في بذل الجهود الكافية لخفض انبعاثات غازات الدفيئة الوطنية كان انتهاكًا صارخًا لحقوق مجموعة لا تقل عن ألفي مسنّة سويسرية. وقد نجحت النساء في إثبات تعرّض حقوقهن في الخصوصية والحياة الأسرية للانتهاك لأنهن صحتهن مهددة على نحو خاص من آثار موجات الحر.

تفاعل الأعضاء مع هذا القرار التاريخي واعترافه بأزمة المناخ باعتبارها أزمة حقوق إنسان. فنشر سيب دويك، مدير حملة حقوق الإنسان والمناخ في المركز البيئي الدولي ، تحليلًا موجزًا للقرار على منصة إكس (تويتر سابقًا).

وأكدت جوي تشودري، كبيرة المحامين في مركز القانون البيئي الدولي، في تصريح لرويترز "نتوقع أن يؤثر هذا القرار على العمل المناخي والتقاضي ليس في أوروبا وحسب ولكن على مستوى العالم. وهذا  الحكم  يُعزز الدور الحيوي للمحاكم الدولية والمحلية  في إلزام الحكومات بالوفاء بواجباتها القانونية في حماية حقوق الإنسان من الأضرار البيئية."

في الإطار عينه، كان للمبادرة العالمية من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية موقفٌ مؤيد للحكم، لا سيما وأنها من الأعضاء المساهمين في المذكرة الجماعية لطرف ثالث في القضية. فقد رأت أن "الحكم الصادر عن محكمة البلدان الأوروبية لحقوق الإنسان يُمثل تقدّمًا كبيرًا لأنه يمكّن الأفراد من مطالبة حكوماتهم بقوانين مناخية قوية وميزانيات الكربون. ستكون الطبيعة الرائدة لهذا القرار إيذانًا بعهد حيوي في مجال التقاضي تحقيقًا للعدالة المناخي على المستويين المحلي والدولي، وتحديد مساره والنهوض به في العالم بأسره.

يتضمن القرار تفسيرًا موسّعًا للحق في الحياة الخاصة والأسرية الذي تكفله المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، بما في ذلك القضايا البيئية. وأكدت المحكمة أن نطاق الحماية المُحدد في المادة 8 من الاتفاقية يمتد ليشمل الآثار الضارة على صحة الإنسان ورفاهه وجودة حياته، الناتجة عن مصادر مختلفة من التهديدات والمخاطر البيئية. لذلك، يتعين على الدولة أن تؤدي واجبها في ضمان هذه الحماية باعتماد تدابير فعالة تخفف في آثار تغيّر المناخ، وتنفيذها.واستنادًا إلى هذا الالتزام واعتبارات أخرى، وقررت أن الاحترام الفعال للحقوق المحمية بموجب المادة 8 تفرض على الدول اتخاذ تدابير تسفر عن تخفيض كبير وتدريجي لمستويات انبعاثات غازات الدفيئة لديها، وأهابت بها اتخاذ إجراءات فورية. مع ذلك لا تزال هناك مخاوف بشأن فشل المحكمة في مطالبة سويسرا بتسريع جدولها الزمني نحو صافي الانبعاثات الصفرية، المحدد لعام 2050، أي بعد ما يقرب من ثلاثين عامًا، على الرغم من التأثيرات الشديدة التي تمس مواطنيها بالفعل.

رحّبت لجنة الحقوقيين الدولية  بالقرار التاريخي الصادر عن محكمة البلدان الأوروبية، وأشاد ماركو ساسولي، مفوض اللجنة بالقرار قائلًا "إنه قرار مهم يحمي حقوق أجيال الحاضر والمسقبل في سويسرا والعالم. لا يكفي أن تقبل سويسرا بأهداف خفض غازات الدفيئة بموجب اتفاقية باريس لعام 2015، وأن تدرجها في تشريعاتها، بل يتعين عليها اتخاذ التدابير الكافية لتحقيق هذه الأهداف. لقد تركت المحكمة لسويسرا حرية اختيار التدابير، إلا أنها يجب أن تكون كافية لتحقيق الأهداف".

لقد استنبط الأعضاء بعض الروابط بين القضيتين، حيث ذكرت أيوفي نولان في مقالتها  أنه " في جلسة الاستماع العامة في قضية كليما سينيورينن، أشار أعضاء المحكمة إلى قضية الأجيال المقبلة والمساواة بين الأجيال في سياق الأسئلة حول المبدأ التحوطي و"العدالة بين الأجيال" (القاضي باردسن)؛ بالإضافة إلى ذلك، وفي سياق حالة الضحية، سلّط القاضي جويومار الضوء على "البعد المشترك بين الأجيال والأفراد" للمشاكل المرتبطة بتغير المناخ. (في المقابل، ركزت الأسئلة في جلسة الاستماع في قضية دوارتي بالدرجة الأولى على استنفاد سبل الانتصاف المحلية (وسبل الانتصاف التي تتيحها قوانين الاتحاد الأوروبي) والولاية القضائية، ولم  تركز بصفة محددة على العدالة بين الأجيال أو الأجيال المقبلة).

الأعضاء المشاركون

 قدّم مذكرة الطرف الثالث الجماعية في قضية دوارتي أغوستينو، كلّ من مؤسسة الحق، وشبكة آسيان البديلة بشأن بورما، ومركز القانون والعدالة والمجتمع، واللجنة الكولومبية للحقوقيين، ولجنة البيئة للدفاع عن الحياة، والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، وشبكة المعلومات والعمل الدولية بشأن أولوية الغذاء، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والمبادرة العالمية من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإجراءات حقوق الإنسان، والعيادة الدولية لحقوق الإنسان في كلية الحقوق في جامعة فيرجينيا، وليلى هيوز، والمجموعة الدولية لحقوق الأقليات، والمرصد المعني بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومكتب أميركا اللاتينية للتحالف الدولي للموئل، وتولت الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عملية التنسيق.

وقدّم مذكرة الطرف الثالث في قضية  كليما سينيورينن كلّ من شبكة آسيان البديلة بشأن بورما، واللجنة الكولومبية للحقوقيين، ولجنة البيئة للدفاع عن الحياة، والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، وشبكة المعلومات والعمل الدولية بشأن أولوية الغذاء، والمبادرة العالمية من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإجراءات حقوق الإنسان، والعيادة الدولية لحقوق الإنسان في كلية الحقوق في جامعة فيرجينيا، وليلى هيوز، والمجموعة الدولية لحقوق الأقليات، والمرصد المعني بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومكتب أميركا اللاتينية للتحالف الدولي للموئل، والمركز القانوني النسائي، وتولت الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عملية التنسيق.