رسالة إلى صندوق النقد الدولي بشأن المشروطيات الضارة وتدابير التقشف التي تؤثر سلباً على البلدان الفقيرة

تاريخ النشر: 
الاثنين, 29 يوليو, 2024

التاريخ: 01/07/2024
 

الموضوع: يجب الكفّ عن فرض الاشتراطات الضارة وإجراءات التقشف والسياسات النيوليبرالية التي تؤثر سلبًا على الدول المُفقَرة


إلى مجلس إدارة صندوق النقد الدولي

نكتب إليكم لنبدي عميق قلقنا إزاء المظاهرات العنيفة التي انطلقت في كينيا وأدت لوفيات، وقد خرجت تلك المظاهرات احتجاجًا على النظام الضريبي المُجحف وإجراءات إعادة الهيكلة الظالمة التي وردت في التشريع المالي لعام 2024. إن هذه السياسات هي نتيجة لفرض صندوق النقد الدولي اشتراطاته على القروض، المستمرة في إعادة تشكيل السياسات والقوانين الاقتصادية في كينيا وسائر دول الجنوب العالمي الأخرى، وهي تضر بشكل غير متناسب بالمجتمعات المُفقرة والمهمشة بالفعل من قبل انطلاق هذه الاشتراطات. إننا كشبكة مكونة من 300 هيئة وفرد من الأعضاء وغير ذلك من الحلفاء، من الحركات الاجتماعية ومنظمات الشعوب الأصلية، ومنظمات المجتمع المدني، والهيئات الأكاديمية، والنقابات، والمدافعين والمدافعات عن الحقوق عبر أكثر من 80 دولة – وهم ملتزمون بجعل حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية واقعًا مُعاشًا للجميع – فنحن (الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) نطالب بإنهاء السياسات والاشتراطات التي تعمّق من الإفقار واللامساواة والسلب للمجتمعات في كينيا  وغيرها من البلدان والمناطق، وهي الإجراءات التي كثيرًا ما تكثّف من عبء الديون غير المشروعة أو المستدامة.

على الرغم من الدعوات والمطالبات القائمة بمواجهة هذه السياسات المعيوبة، دأب صندوق النقد الدولي على فرض السياسات النيوليبرالية التي تضطر الدول إلى إعلاء أولوية سداد الديون على حقوق الإنسان[1] عبر مزيج من الضرائب المجحفة والخصخصة ونزع ضوابط الأسواق والخصم من الإنفاق الحكومي على الدعم، بما يقوّض توفّر الخدمات الأساسية المكفولة بموجب القوانين الدولية والوطنية.

إن حقوق الإنسان ورفاه الناس هي البنود التي يجب أن تكون في القلب من أي قرارات لإعادة هيكلة الديون. لكن المصالح الخاصة الضيقة للشركات والأطراف المالية هي التي عادة ما تؤثر على قرارات منح القروض من صندوق النقد الدولي، ما يؤدي إلى اشتراطات قاسية على سداد الديون. وتضطر الدول إلى إعلاء أولوية سداد الديون وإلا تُخاطر بالإفلاس الذي قد يعرّض سمعة الدولة الائتمانية للخطر ويضر بقدرتها على الاستفادة من الأسواق المالية الدولية.

تحليل الموقف في كينيا

كينيا من دول الجنوب العالمي التي تعاني من أكبر مخاطر وضغوط الديون بموجب تقرير تحليل استدامة الديون الصادر عن صندوق النقد الدولي، وهذا اعتبارًا من يونيو/حزيران 2023، عندما بلغت نسبة الديون العامة والديون المضمونة بالأموال العامة 70.8 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.[2] طبقًا لهيئة الخزانة العامة الكينية، فاعتبارًا من يناير/كانون الثاني 2024 بلغ حجم الدين العام 68.2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، في مقابل نسبة مقبولية ديون إلى ناتج محلي تبلغ 55 بالمئة، وقد وضع صندوق النقد الدولي هذه النسبة. كان الدين المحلي 36.5 بالمئة، بينما الدين الخارجي 31.7 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.[3] وفي نهاية يونيو/حزيران 2023، جرى تخصيص 58.8 بالمئة من إجمالي إيرادات الدولة لسداد الديون. واستمرت الحكومة في الاقتراض من صندوق النقد[4] في سياق من الجهود الدولية المتباطئة للتصدي للتهرب الضريبي للشركات. وتعد كينيا وغيرها من الحكومات مضطرة لزيادة الضرائب بشكل يضر بصورة غير متناسبة بالطبقات الفقيرة.

في أبريل/نيسان 2021، وقّعت كينيا اتفاق قرض بمبلغ 2.34 مليار دولار على ثلاث سنوات مع صندوق النقد. مكّن القرض كينيا من الاستفادة من حقوق السحب الخاص (SDRs) لكن في ظل شروط قاسية، تشمل بالأساس تنفيذ سياسة ضريبية غاشمة وإلغاء الدعم عن الوقود  والكهرباء، وسد عجز الميزانية بالكامل.[5] وفي 2023 تلقت كينيا 684.7 مليون دولارًا إضافية لسداد سنداتها الأوروبية التي حان موعد سدادها في يونيو/حزيران ذلك العام. وفي 2024، توصل صندوق النقد والسلطات الكينية إلى اتفاق على مستوى العاملين حول السياسات الاقتصادية، لإغلاق المراجعة الرابعة لترتيبات EFF/ECF التي استغرقت 38 شهرًا، تمهيداً لحصول كينيا على 1 مليار دولار.[6] ولقد ورد في بيان صندوق النقد الدولي بتاريخ 11 يونيو/حزيران 2024 بعد التوصل إلى اتفاقات بين العاملين من الطرفين على ثلاثة من تسهيلات القروض التي طلبتها كينيا: "ثمة حاجة إلى إعادة هيكلة مالية كبيرة ومباشرة للسنة المالية 2024/2025 لتصحيح المسار. ولهذه الغاية، اتخذت السلطات الكينية خطوات ملموسة نحو تحقيق التضامن المالي من خلال فرض تدابير في سياق خطة ميزانية 2024/2025 والقانون المالي لسنة 2024. من المهم هنا الإشارة إلى أن القانون المالي المذكور يركز على تدابير لتوسيع الوعاء الضريبي المحلي... وإصلاح قواعد الإنفاق الحكومي وقانون الأجور، وإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة، وترشيد الإنفاق غير الإنتاجي الراهن، وتحسين سبل استهداف المستحقين للدعم والتحويلات النقدية...".[7]

يفسّر هذا كيف جاءت الضرائب الإضافية غير المسبوقة، وارتفاع أسعار الوقود والكهرباء، بما يؤثر على المواطن الكيني، وذلك في ظل إنفاق القروض الجديدة بالأساس على سداد القروض القديمة، بدلًا من استثمارها في الخدمات العامة مثل الرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي والتعليم، وهي الخدمات المطلوبة بشدّة. ردًا على إدخال ضرائب إضافية جديدة على الفقراء ورفع الدعم عن السلع الأساسية، على خلفية استمرار ضعف الاستثمار في الخدمات العامة، اندلعت عدة احتجاجات هائلة في نيروبي على مدار الأسابيع الماضية، وشارك فيها آلاف المواطنين الذين قادهم الشباب، الذين يرفضون – عن حق – الحرمان من حقوقهم ومستقبلهم.

إن العقد الاجتماعي المالي يعتمد على مبدأ المسؤولية المتبادلة ومراعاة الأطراف المختلفة. بينما يوافق المواطنون في كينا على سداد الضرائب، فعلى الحكومة التزام بتوفير الخدمات الأساسية المكفولة بموجب القوانين الدولية والمحلية، مثل التعليم والصحة والإسكان والمرافق العامة والأمن والتأمين الاجتماعي. ولقد أثرت اشتراطات صندوق النقد القاسية – التي جُربت من قبل كثيرًا ولم تحقق إلا النتائج الكارثية – على صياغة القانون المالي المثير للجدل، والذي أدّى إلى موجة الغضب العارمة التي عمت أنحاء البلاد.

في حين يتحدث صندوق النقد عن مراقبة الوضع والرغبة في تحقيق النمو الشامل للجميع، فمن غير الواضح إذا كان الصندوق ينصت إلى أغلب الكينيين أم أنه ينتظر ببساطة مقترحًا جديدًا بإجراءات التقشف لضمان سداد الديون.[8]

 

الشفافية والمحاسبة في ملف الديون

إن إعلاء أولوية سداد الديون للمقرضين على حساب حقوق الإنسان وضد إرادة الناس قد أشعل الغضب في أوساط المواطنين الكينيين. ولقد اتُخذت القرارات وأبرمت العقود والاتفاقات ذات الصلة بعيدًا كل البُعد عن الشفافية والمحاسبة. يكافح الكينيون لفهم كيف دخلت حكومتهم في اتفاقات الإقراض والاستدانة المتعاقبة مع المقرضين من قبيل صندوق النقد الدولي، وكيف استُخدمت النقود على مستوى الدولة، وماهية الاشتراطات المرافقة للعقود والاتفاقات. إن غياب الشفافية في الاتفاقات مع المقرضين الخاصين والمؤسسات المالية الدولية والحكومات المُقرِضة لكينيا، تقوّض من عمليات المشاركة الديمقراطية والمحاسبة وتمهد الطريق لزيادة نفوذ وهيمنة الشركات بشكل غير مستحق.

وليست أزمة الديون الحالية في كينيا بالأمر المقتصر على كينيا حصرًا؛ فهناك دول أخرى عديدة في أفريقيا تعاني من ضغوط الديون المفرطة وأخرى معرضة لهذا الخطر، وتشمل زامبيا والكونغو وموزامبيق وزيمبابوي وبوروندي والكاميرون وتشاد وغامبيا وغينيا وغانا وجنوب السودان وتوجو،[9] وسوف تواجه أو هي تواجه حاليًا اشتراطات مماثلة تهدد حقوق الإنسان ورفاه شعوبها.

للتصدي لهذه المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المُلحّة، نطالب صندوق النقد الدولي بما يلي:

  • إلغاء الديون ورسوم الإقراض غير المستدامة، لا سيما في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل التي تكافح لسداد الديون غير المستدامة وغير المشروعة في أغلب الأحوال.
  • وقف فرض الاشتراطات الضارة: فصندوق النقد الدولي والمقرضين الدوليين عليهم الامتناع عن فرض إجراءات التقشف والسياسات النيوليبرالية التي تؤثر سلبًا على الدول المُفقرة. وتشمل تعويم العملات وإعادة الهيكلة وإجراءات من قبيل زيادة الضرائب على الشرائح الأفقر وتقليل الإنفاق العام وتقويض تدابير حماية حقوق العمال.
  • دمقرطة عملية الديون من خلال ضمان الشفافية والمحاسبة والإدارة الديمقراطية للقروض، بما يشمل المشاركة الحقيقية للمجتمعات المتضررة، من مواطنين ومنظمات مجتمع مدني، على كافة مستويات صناعة القرار، لا سيما في مراحل تصميم السياسات التي تؤثر على تكلفة المعيشة وتوفر سبل كسب الدخل والخدمات الحكومية الأساسية.
  • ضمان أن جميع التمويلات والضمانات والتوجيهات المقدمة للدول تعلي أولوية التزامات حقوق الإنسان وحماية البيئة وضمان الانتقال العادل والمنصف نحو اقتصاد يركز على رعاية الناس والكوكب. ويشمل هذا إجراء تقييمات لآثار إصلاح السياسات المالية على حقوق الإنسان، وتكون تقييمات حساسة جندريًا، وتقييمات لتأثير السياسات على المساواة الجندرية واللامساواة الاقتصادية، ورفض السياسات التي يتضح أن لها آثار اجتماعية ضارة.
  • وقف هيمنة الشركات على الحكومات والمؤسسات الدولية الحكومية وعمليات صناعة القرار على هذه المستويات، بما يضمن حقوق الإنسان والدعم الفعال لتنظيم الأطراف المالية الخاصة والشركات، لضمان احترامها لحقوق الإنسان في الدول التي تتخذها مقرًا رئيسيًا لها وفي الدول الأخرى المضيفة كافة.
  • تنفيذ سياسات اقتصاد دائري مناوئة للإجراءات الاقتصادية السائدة تتجاوز غرض تقليص الديون والتضامن المالي إلى التركيز على إعادة التوزيع ووضع نظام حماية اجتماعية أساسي.
  • تطبيق آليات للتعاون مع الأطراف من المجتمع المدني، لا سيما في السياقات الخاصة بالنزاع والحكومات القمعية التي تهاجم و/أو تقوّض موارد المجتمع، لحماية سبل كسب الناس للدخل والصحة العامة.
  • المراقبة عن كثب للقطاع الخاص والمشروعات العامة لضمان احترام حقوق الإنسان وصون معايير كفالة حقوق العمال والبيئة، وتوضيح أن الانتقام أو التنكيل أو التمييز على أساس من ممارسة الناس لحقهم في التظاهر أو تكوين الجمعيات أو التعبير عن آراء سياسية لن يتم التسامح معه أو قبوله.
     

[1]  انظر/ي: نحو العدالة المناخية وعدالة الديون، 2023: https://www.escr-net.org/ar/news/2023/720308

[2]  تحليل مشترك صادر عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حول كينيا، 2023 [بالإنكليزية]: chrome-extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/Kenya-Joint-World-Bank-IMF-Debt-Sustainability-Analysis.pdf

[3]  الجمهورية الكينية، هيئة الخزانة والتخطيط الاقتصادي الوطنية، ديون 2024 متوسطة الأجل، استراتيجية الإدارة [بالإنكليزية]: chrome-extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/2024 Medium-Term Debt Management Strategy

[4]  انظر/ي:

Reuters; Kenya wins $941 million IMF loan boost, easing financial pressures, January 2024. Kenya wins $941 million IMF loan boost, easing financial pressures | Reuters.

[5]  انظر/ي:

The Africa Report: IMF sets new loan conditions, limiting choices of next government, August 2022. Kenya: IMF sets new loan conditions, limiting choices of next government - The Africa Report.com.

[6]  انظر/ي:

Business Daily: Kenya set for Ksh. 131 billion new IMF financing June. April 2024. Kenya set for Sh131 billion new IMF financing June - Business Daily.

[7]  ورد في:

Ahilan, K. (2024, July). Kenya to Sri Lanka: Protests, IMF and high ambition. The Daily Mirror. Kenya to Sri Lanka: Protests, IMF and high ambition - Opinion | Daily Mirror.

[8]  انظر/ي:

Business Daily: IMF says monitoring Kenya unrest, commits to helping economic revival, June 2024. IMF says monitoring Kenya unrest, commits to helping economic revival - Business Daily

[9]  انظر/ي:

The East African: Africa’s creditors come calling as debt distress looms large, September 2023. Africa’s creditors come calling as debt distress looms large - The East African

الأعضاء الذين لهم صلة بالموضوع: 
البلد: